تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"هل تتجرأ إسرائيل على قصف غزة بالنووي؟"

في مطلع نونبر/تشرين الثاني الماضي، وفي عز الحرب الشاملة على غزة، دعا وزير التراث الإسرائيلي "أميخاي إلياهو"، إلى "ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية وإبادته، وإقامة المستوطنات الإسرائيلية فيه"...وتابع: "قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض...إلقاء قنبلة نووية عليه هو حل ممكن...أما بالنسبة للمختطفين، فالحرب لها أثمان".

قبله بأيام، صرحت النائبة عن حزب الليكود، "ناتالي غوتليف"، من على منصة الكنيست وصدمة طوفان الأقصى على أشدها: "أحثكم على القيام بكل شيء واستخدام يوم القيامة بلا خوف ضد أعدائنا...وحده انفجار يهز الشرق الأوسط سيعيد لهذا البلد كرامته وقوته وأمنه". وتابعت: "حان الوقت ليوم القيامة. إطلاق صواريخ قوية بلا حدود، لا تترك حيا بالأرض، سحق غزة وتسويتها بالأرض بلا رحمة... بلا رحمة".

التقط السيناتور الجمهوري الأميركي "ليندزي غراهام" الإشارة، فتساوق قلبا وقالبا، مع تصريحات بني عقيدته. يقول غراهام: "يحق لإسرائيل تسوية قطاع غزة بالأرض، باستخدام سلاح نووي لإنهاء الحملة العسكرية"، ويستشهد بقرار بلاده استخدام الأسلحة النووية ضد اليابان، كونه أنهى الحرب، و"أنقذ حياة عشرات الآلاف من اليابانيين، ومكن من تجنب وقوع أكثر من مليون ضحية أميركية". كانت الضربة برأيه، أداة الردع الأنجع لتركيع اليابان.

لهذه التصريحات قيمة فعلية كبرى، ليس فقط لأنها تكشف عما يضمر من مصير لغزة، ولكن أيضا لأنها تعري سلوك الغموض النووي الذي تنتهجه إسرائيل، منذ إقامتها لمفاعل ديمونة، ثم إقدامها على تصنيع أنواع من القنابل النووية لا علم لأحد بأنواعها أو بأعدادها أو بمديات القوة التي تميزها.

ولذلك، فالتصريحات إياها لم تثر حفيظة قادة إسرائيل لأنها صدرت عن مسؤولين يعرفون النوايا، بل لأنها كشفت خبايا النوايا وما يعتمل من خلفها. إنها أفصحت عما هو خاف، وأكدت عمليا أن احتمال قصف غزة بالنووي، هو سيناريو جدي ومفكر فيه ومتداول بشأنه، إذا لم يكن بمجلس الوزراء، فقطعا بمجلس الحرب المصغر.

بيد أن مسألة التفكير في اللجوء للحل النووي من لدن إسرائيل ليست وليدة الحرب على غزة. لقد سبق لموشي ديان أن اقترح، لدى عودته من معاينة مفاعل ديمونة، ضرب مصر بالقنبلة النووية في أعقاب توغلها في سيناء أثناء حرب أكتوبر. إلا أن غولدا مايير صرفت النظر عن الأمر بتوجيه من الأميركان، فتمت مجازاتها بإقامة جسر جوي زودها بكل ما تحتاج. وهو النموذج الذي عاينا مثيلا له في الحرب على غزة، حيث حذرت الإدارة الأميركية إسرائيل من اللجوء للسلاح النووي، وفتحت لفائدتها جسرا جويا يوفر لها ما تحتاجه.

إن إسرائيل التي تجاوزت كل الخطوط الحمر في حربها على غزة، لا تبدو أنها في عجلة من استخدام السلاح النووي. إنها تستخدم الأسلحة الفوسفورية المحرمة دوليا فتحرق الناس أحياء، وتستخدم الأسلحة البيولوجية وغير البيولوجية المحظورة عالميا، فتخترق بها الأجساد وتذيبها. ثم إنها استخدمت من المتفجرات ما يعادل قنبلة نووية بقوة 30 كيلو طنا، أي أكثر من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي اللتان لم تتجاوز قوتهما 20 كيلو طنا، لكنهما كانتا كافيتين لإبادة أكثر من 200 ألف نسمة في لمح البصر، دع عنك ما ألحقته من ضرر بالثابت كما بالمتحرك.

صحيح إن ما صب على غزة من مقذوفات لأكثر من سبعة أشهر (حوالي 25 ألف طن)، لم يكسر إرادتها، لكن ذلك قد يكون دافعا إضافيا للجوء إسرائيل إلى النووي، وإن في صيغته التكتيكية محدودة التأثير (ما بين كيلو طن إلى 50 كيلو طن). وهو أمر وارد، إذ لإسرائيل مخزونا هاما من هذه القنابل، إلى جانب ما تملكه من أسلحة وقنابل نيوترونية وما سواها.

بالتالي، فاستخدام قنابل تكتيكية، وهي عبارة عن رؤوس نووية صغيرة تدمر منطقة محددة دون إشعاعات واسعة النطاق، قد يغري إسرائيل، خصوصا وأن آثار إشعاعاته وتأثيراته البيئية والصحية، لن تتعدى غلاف غزة المهجور أصلا منذ 7 أكتوبر الماضي.

بيد أن الإغراء قد يذهب بإسرائيل حد استخدام القنبلة النيترونية، تلك "القنبلة النظيفة" التي تبيد الكائنات الحية وتبقي على المباني والأحجار فقط، لكن الكميات الكبيرة من الإشعاع القاتل المترتب عنها، قد يحد من الإغراء إياه، لا سيما وأن غباره قد يصل لعمق إسرائيل نفسها.

لا شيء إذن يمنع إسرائيل من اللجوء لهذين النوعين من الأسلحة الفتاكة، لا سيما إذا اقتنعت أن المقاومة لن تهزم ولن تستسلم، أو ارتأت أن الإبادة أنجع بكثير من التهجير. وعليه، فإن الذي يتجرأ على تجاوز كل الخطوط الحمر المتعارف عليها، لن يعدم الجرأة لتجاوز ما تبقى من خطوط، حتى وإن كان فيها هلاكه.

موقع عروبة 22، 27 ماي 2024

https://ourouba22.com/article/2836-%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%85%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84

يمكنكم مشاركة هذا المقال