Aller au contenu principal

البيئة المعرفية: تأمين الباب الخلفي

فهد الطاسان، موقع أسبار، شتنبر 2013، 43 ص.

بمستهل هذه الورقة، يقول الكاتب إن "الاهتمام بالمعرفة، والتحول من المجتمع الريعي إلى المجتمع المعرفي، وانتشار سبل التعليم، وتوفير وسائل التعليم المختلفة وبدائلها، هو حق للأجيال، لا يملك أحد أن يأخذه منهم، ولا أن يمنعهم عنه، أو الحلم به".

فأن ينوي مجتمع ما التحول من مجتمع اقتصادي بحت، إلى الاستثمار في أن يصبح مجتمعا معرفيا، معناه، برأي الكاتب، أن "يستثمر في الذكاء وتكوين المعلومات وسبلها، وتوفير البيئة الحاضنة لهذا. ومعناه أيضا محاولة الوصول إلى تنويع في فرص تحصيل المعرفة، ومساواة الجميع في الحصول على الحق في التعليم مدى الحياة".

ويستشهد الكاتب بالمؤرخ روجر أوين حينما قال بأن " ما يؤخذ في الحسبان الآن، هو القدرة على خلق أفكار جديدة، ومعرفة كيف تطبق. وهي عملية معقدة لا تتضمن تطوير الرأسمال البشري لعصر العولمة فحسب، بل أيضا القدرة على خلق أشكال معقدة على نحو متزايد".

بالتالي، فإن الحديث عن المجتمع المعرفي واقتصاد المعرفة، يجعل "الحديث عن إعادة هيكلة التفكير في منظومة التعليم، أمرا لازما. وإحداث القيمة الاجتماعية للمعرفة، معناه لزوم التنوع في فهم الحاجات والاهتمامات الجديدة لأفراد المجتمع، وتقديم آفاق معرفية يمكن من خلالها فتح المجال لمهارات جديدة وأصيلة، تكفل عدم التناسخ في المهارات الذي نراه اليوم، أو إنتاج ما لا يستفيد منه سوق العمل أو تشبع به".

من جهة أخرى، يلاحظ الكاتب أن البيئة المعرفية لا تخلق بالمال وحده. فمع أن "المال هو عنصر مهم في بنائها، إلا أنه ليس الوحيد، ولا يقدم على خطط البناء الاستراتيجي، لأن المال يحقق الخطة، ولا يخلقها".

بيد أنه لا ينبغي أبدا انفراد الحكومات ببناء هذه البيئة، بل لابد من فتح المجال للمجتمع بالمشاركة في بنائها، والإسراع بالقوانين المسهلة لعملية البناء المعرفي، وإنشاء اقتصاد معرفي ذكي يعتمد على المعلومة، وتنمية وسائل الحصول عليها والتحقق منها واستثمارها، وخلق السوق المعتمد عليها.

إن البيئة المعرفية لا تعتمد، برأي الكاتب، إلا على رأس المال البشري. وهذا معناه "الاهتمام بكافة التفاصيل المكونة له، ومحاولة التقصي الدائم للحاجات الناشئة، والتي تطرأ نتيجة لتطور المجتمع وأفراده".

إلى جانب هذه البنية الأساسية، توجد مجموعة من العوامل المساندة لهذا التحول. وهذا يدفع "إلى ضرورة مراجعة الأنظمة الخاصة بإنشاء المكتبات، ومجلات النشر المتخصص، وإقامة المؤتمرات العلمية المتخصصة، وإنشاء مراكز الأبحاث ومراكز الأفكار، والاعتماد عليها كداعم شفاف للقرارات، وتسهيل الحصول على تأشيرات الدخول للعلماء والباحثين... الخ".

ولدى حديثه عن مراكز البحوث ودور الجامعات العربية، يلاحظ الكاتب "عدم قدرة الجامعات العربية على تكييف التعليم العالي ومناهجه، بما يتفق وحاجات المجتمع العربي ومنهج تفكيره. فالتقدم العلمي المذهل الذي يعيشه الإنسان العربي عند تعليمه في البلدان المتقدمة، يفرض عليه نمطا من التفكير قد يغالي في تطبيقه بعد عودته، ويجعل من حصيلة علومه المكتسبة طوقا لا يود الإفلات منه. فالعالِم العربي لا ينشد وجوده من خلال نفع مجتمعه العربي، بل يظل مشدودا لذلك المجتمع الذي تخرج منه، ويبقى تحت تأثير التفكير والمنهجية العلمية السائدة في تلك الجامعة التي تخرج منها".

ويبقى الأمر مطروحا في كون مؤسسات التعليم العالي العربية "لم تبد أي محاولة جادة في إحداث التطوير في مناهجها وفلسفتها التعليمية، بما يتناسب وطبيعة المجتمع العربي، وأنماط تفكيره، وحقيقة متطلبات تنميته. فبقيت المناهج المختارة ترتكز على أساس نظري بحت، يتعذر تطبيقه في الغالب، وإن اتجه الباحثون للبحث في مجالات التطبيق، فأبحاثهم لا تخرج عن حقيقة أنها مكملة لدراساتهم النظرية التي بدؤوها في رسائلهم الدراسية، وهذا لا ينسجم مع التطلّعات التي نسعى إليها بتخريج أجيال وباحثين وخبراء ومتخصصين، يفكرون بواقع أمتهم، ويخططون لها من خلال منهج فكري وعلمي يتلاءم معها، لأن طريقة التفكير وتوجيه المنهج العلمي والتكيف مع العلوم، جانب مهم في توجيه البحث العلمي، وإحداث نقلة علمية بعيدة عن التقليد، تعمل على إنتاج الأجهزة والمخترعات العلمية، قبل التفكير في استيرادها".

* "البيئة المعرفية"، فهد الطاسان، نافذة "قرأت لكم"، 7 غشت 2014.

Vous pouvez partager ce contenu