Aller au contenu principal

"الاختراق الصهيوني للعراق"

خالد الناشف،  منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005

1- يبدأ الكاتب مؤلفه (بالأصل دراسة تبناها اتحاد الكتاب العرب وعمل على نشرها وتوسيع مجال تداولها) بشهادة لتوماس فريدمان يقول فيها : " في الحقيقة، حرب العراق هي جنين أخرى، ولكن على مستوى أضخم. فما حصل في جنين، أن الإسرائيليين قالوا للفلسطينيين: تركناكم هنا لوحدكم ولكنكم لعبتم بالنار، وفجأة قمتم بتفجير سيدر (عشاء عيد الفصح) في ناتانيا، ولهذا لن نترككم وحدكم بعد الآن. سنذهب من بيت إلى بيت في القصبة. ومن وجهة نظر أمريكا، عراق صدام هو جنين"

بناء على هذه الشهادة، يقرر الكاتب منذ الصفحات الأولى ودون مواربة، بأن الخطاب العربي كان في معظمه " مقصرا في تحديد طبيعة دور إسرائيل أو اليهودية العالمية، في العدوان الأمريكي على العراق. ولا يتناسب هذا التقصير مع حجم الكارثة التي حلت بالعراق، وبشكل تلقائي بالأمة العربية، وتمثلت بالاحتلال الأجنبي لدولة عربية وتدمير تراثها الحضاري، وشكلت سابقة خطيرة تهدد المنطقة بأسرها".  

والكتاب، يقول المؤلف، " ليس ضد اليهود، ولا ينتقد اليهودية كديانة، التي هي ككل الديانات الأخرى ليست إلا ملجأ روحيا، يتعايش فيه الفرد مع نفسه وعالمه الخارجي وتناقضاته". بالتالي، فاستخدامه لكلمة "يهود" أو "الجماعة اليهودية"، إنما جاء للتماشي مع المبدأ الصهيوني الذي حول اليهودية إلى قومية، ولا يعني تقييما للديانة أو لمن يعتنقها. هو توثيق موضوعي للنزوع المستمر إلى التماهي بين اليهود وأمريكا وإسرائيل

2- ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول اعتمد المؤلف فيها بشكل شبه تام، على مصادر أجنبية، أمريكية يهودية أو إسرائيلية، ونادرا ما استشهد بمصدر عربي أو أجنبي آخر قد يبدو (أو أن له) مواقف مناوئة لإسرائيل أو للصهيونية:

+ بالفصل الأول ("جنود أمريكيون يهود في العراق")، يبدأ المؤلف بالاستشهاد بجوزيف بوتاسنيك، رئيس مجلس حاخامات نيويورك حينما يقول :  "ستكون التوراة إلى جانبهم، بينما يقومون بتحرير شعب آخر. خلال التاريخ اليهودي كانت التوراة دائما إلى جانبنا. ونحن فخورون بجنودنا الذين يحملون التوراة معهم، ويمكنون شعوبا أخرى من العيش بحرية"

 ولما كان اليهودي إسرائيليا بالولادة من وجهة نظر إسرائيلية، فإنه يمكن الافتراض، يقول الكاتب، ن الجنود الأمريكيين اليهود هم عمليا إسرائيليون شاركوا في العدوان على العراق وغزوه، وإن لم يذكر هذا الانتماء، أو يؤكد، علنيا" (يقدر عدد الجنود اليهود بالعراق ما بين 1200 و 2000 جندي).

 من هنا، يقف الكاتب عند العديد من استشهادات الجنود اليهود المتواجدين بالعراق، وكيف أنهم "ذهبوا لتحرير العراق"، وكيف كانوا يمارسون طقوسهم تماما كما لو أنهم في بلدانهم. فقد "وافقت طوائف يهوديـة سريعا على تأمين لفافات التوراة وكتب الصلوات ومواد تربوية عبرية ستساهم بتحرير الشعب العراقي"، لدرجة دفعت الحاخام بروس غينزبورغ إلى القول بأن هذا المشروع "سيضمن أن يقوم أخوتنا وأخواتنا الجنود في العراق والكويت، بسماع قراءات صحيحة من التوراة، وأن يتمتعوا بوجبات الأعياد".

 وقد قام بنقل لفافات التوراة الثمينة إلى الكويت رجل الدين، الكولونيل جاكوب غولدستين، ووضعت تحت الحراسة المسلحة طوال الوقت. "وبعمل دؤوب ساهمت النائبة هيلاري كلينتون بتسهيل إجراءات التأمين والنقل وأجرت استفسارات مهمة وأساسية في الدوائر الأمريكية المعنية"، جعل أحد الساهرين على المشروع يقول: "يثبت هذا المشروع، وجميع من قام به، أن أحدا لم ينس العسكريين البعيدين عن الوطن الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل هدف أكبر". هذا "الهدف الأكبر" دفع ديبي أستور، والدة أحد جنود المارينز من اليهود الذي عاد من الخدمة في العراق، إلى القول: "جنودنا اليهود يستحقون الاحترام وينبغي النظر إليهم بجدية. إن الجهد المبذول من أجل الأعياد هو انتصار على الفوضى في عالمنا".

ويقول موريس كابروف، الحاخام المناوب في الأسطول الأمريكي السادس في البحر الأبيض المتوسط: " نريد للعالم أن يعرف أن اليهود موجودون في الجيش 365 يوما في السنة، وليس في فترة الحرب فقط". بل إن الحاخام كارلوس هويرتا كان يقول: "أنا فخور بالخدمة في الجيش الأمريكي ليس كأمريكي فحسب، بل أيضا كيهودي أمريكي".

ويحكي الكاتب، بناء على مصادره، كيف أن الحاخام جاكوب غولدستين وصل إلى الكويـت، في شهر شتنبر عام 2003 قادما من نيويورك " ومعه أربع لفافات توراة، توراة صغيرة وخمس مجموعات من سعف النخيل والنارنج للاحتفال بعيد المظلة، وأرغفة خبز وكعك بالعسل وغيرها من المؤن لإضفاء البهجة على الأعياد التي سيحتفل بها الجنود الأمريكيون اليهود في الكويت والعراق وأفغانستان". كل هذا بفضل وزارة الدفاع، فهي لم تدخر وسعا لتأمين الحاجات الدينية للجنود اليهود"، يقول غولدستين.

وقد أقيم احتفال رأس السنة اليهودية ("روش هاشاناه") في أحد القصور الرئاسية في بغداد، يوم الجمعة، السادس والعشرين من شتنبر من عام "تحرير العراق"، حيث نفخ الحاخام ميتشل أكرسون في الشوفار، " ليتردد صوت يعلن بداية طقوس العيد في أرجاء القصر المحتل. وتجول الجنود اليهود في القصر ينظرون إلى كل هذا الرخام والذهب والمقاعد الفاخرة... وتجمع أكثر من مائة يهودي للاحتفال بالمناسبة السعيدة في بغداد، ووقع شرف الاختيار على أحد الجنـود ليمارس الصعود" (العليه) بتلاوة الدعوات قبل البدء بقراءات من التوراة".

 هذا السلوك الديني اليهودي في بغداد، يقول الكاتب، دفع إحدى الصحف اليهودية الأمريكية أن تكتب بداية العام 2004: "إن كنتم تبحثون عن المركز الأحدث لليهودية في العالم في العام الماضي، فما عليكم إلا أن تنظروا إلى أحد قصور صدام حسين"...

ويحكي المؤلف كيف أنه "ابتداء من مساء العاشر من نونبر 2003، كان الحاخام جاكوب غولدستين يردد الصلوات كل يوم، أمام مظلة أقيمت في الساحة المواجهة للقصر الرئاسي في بغداد. وكانت المظلة كبيرة حتى يراها الجميع، ويعلق على الاحتفال قائلا: كان الأمر رائعا. كنت أتمنى لو كان صدام هنا حتى يرى المظلة (سوكاه) أمام البوابات الرئيسية لقصره. كان الأمر مدهشا. أين كنا وماذا فعلنا، وأننا اليوم هنا نبتهج بالتوراة في مقر الشر". 

ويحكي الكاتب عن زيارة الحاخام كارلوس هويرتا للموصل، لتفقد معالم الوجود السابق لليهود في المدينة. وما كتبه يعطي انطباعا بأن البلدة القديمة للموصل كانت تعج بالكنس والمدارس الدينية والمنازل اليهودية، "إذ عثر بالصدفة على مبنى مهدم تملأه النفايات المتعفنة والبراز ومياه المجاري، لكن هناك كتابات بالعبرية على الجدران"... 

وعندما سأل عن طبيعة المكان (يحكي الكاتب على لسان الحاخام)، أجابوه "إنه كان مكانا يصلي فيه اليهود. وأخبروه أن جميع البيوت في الشوارع المحيطة بالكنيس كانت مليئة باليهود. وأخذه هؤلاء إلى مدرسة دينية للأطفال، تسكن فيها حاليا عائلة متشردة. وبينما كان يسير في الحي، قاده المواطنون إلى ضريح النبي يونس، الذي كان في وقت ما كنيسا... وأخذ يتخيل الحياة اليهودية في الموصل، وترقرقت الدموع في عينيه عندما مر بخياله أيضا الأطفال وهم يبكون، بنات صهيون اليانعات يتشبثن بثياب أمهاتهن ويتساءلن لماذا يقوم الأشرار بقتلهم، ولماذا يجبرونهم على ترك بيوتهم منذ آلاف السنين"...  

عندما عاد هويرتا مع أفراد يهود من الفرقة 101 المحمولة جوا إلى "الحي اليهودي في الموصل القديمة، عثروا على خمسة كنس إضافية، والمزيد من المدارس الدينية والبيوت اليهودية. وأصاب الجميع الحزن، ولكنهم كانوا جميعا فخورين بانتمائهم إلى هذا التراث القديم والغني في مدينة نينوى التاريخية"...تماما كما لو أن هذه المدينة كانت يهودية أو لها علاقة باليهودية، في حين يقول المؤلف، إنها دمرت نهائيا في العام 612 قبل الميلاد. 

حاخام آخر هو الحاخام ميتشل أكرسون (أو الحاخام الأعظم لليهود في مسرح المعارك)، تجول في كافة أنحاء العراق، وكتب يوضح الفرق بين عراق شهر أبريل، والعراق "المحرر" بعد ثمانية أشهر، فيقول:  "ما شاهدته كله رمال وصخور. التدمير والخراب في كل مكان، والبؤس هو القاعدة. أما اليوم، فنشاهد حقولا خضراء، إذ لم نقم بتنظيف أربعة عشر ألف ميل من الأقنية والأنابيب فحسب، بل جعلنا أيضا المياه تنساب فيها...لقد فعلنا الكثير حتى نجعل هذه بلادا أفضل ومكانا للعيش فيه".

  + بالفصل الثاني (" الدور الإسرائيلي وتنسيق الجهود") يبدأ المؤلف بشهادة لدانييل كورتسر (السفير الأمريكي في إسرائيل) يقول فيها:  "تتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل الانتصارات والمحن. نحن، الأمريكيون والإسرائيليون، حقاً إخوة .. على الأرض وفي الفضاء" أيضا... في إشارة إلى إيلان رامون، الذي شارك في قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وقتل في تحطم المركبة الفضائية كولومبيا في بداية العام 2003.

يقول الكاتب بشأن التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل: "أثناء فترة التحضير للحرب على العراق، كانت هناك العديد من المؤشرات التي تربط العدوان بإسرائيل. المنظمات اليهودية الأمريكية عكست الموقف الأمريكي الرسمي، الذي يتلخص ظاهريا بأن إسرائيل لن تتدخل في العدوان حتى لا يتأثر الرأي العام الأمريكي، الذي كان موقفه سلبيا أصلا، وتمثل ذلك بالحملة المناهضة للحرب، وفي الوقت نفسه إدانة العدوان على الفلسطينيين.

 فعمليا توحدت فلسطين والعراق في الرأي العام الغربي وربما لأول مرة، أخذت تتضح الأهداف الحقيقية لوجود إسرائيل في المنطقة. ومن وجهة نظر المنظمات اليهودية الأمريكية، كان من الضروري الفصل بين القضيتين، لهذا جاءت المطالبة بالصمت حول أي دور إسرائيلي في العدوان، وفي الوقت نفسه شنت حملة لتحسين صورة إسرائيل التي اهتزت بسبب الانتفاضة الفلسطينية".

أما في إسرائيل، فتعددت الأصوات الداعمة للعدوان وعبر عنها سياسيون وأكاديميون ورجال دين. "وعلى المستوى العملي تكثف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي، كالقيام بتدريبات عسكرية مشتركة وتنفيذ عمليات تخريبية في غرب العراق وتزويد القوات الأمريكية بالأسلحة والمعدات العسكرية الإسرائيلية". وتحضيرا لـحرب مدن محتملة، لجأ الضباط الأمريكيون إلى الإسرائيليين للاستفادة من خبرتهم في فلسطين...لكن قادة الجماعات والمنظمات اليهودية حثوا إسرائيل على التزام الصمت، كي "لا يعتقد الأمريكيون أن الحرب تشن على العراق لحماية إسرائيل بدلا من حماية أمريكا".

  وقد حذر شارون وزراء حكومته في السابع من نونبر 2002 بألا يدلوا بأية تصريحات حول المخططات الأمريكية تجاه العراق، أو حول التنسيق مع الإدارة الأمريكية على الرغم من تزايد المبررات (من لدن الإسرائيليين) لشن الحرب. 

يقول موردخاي بيرون، الحاخام الأعظم السابق في الجيش الإسرائيلي، بأنه بالإمكان إيجاد المبررات الدينية للعدوان على العراق، "إذ على الرغم من أن اليهودية تعارض الحرب، فإن هناك استثناءين كبيرين: الأول، عندما يشن العدو هجوما للقضاء على الشعب اليهودي والدولة اليهودية، فإن لدينا الحق بالدفاع عن أنفسنا. والثاني، عندما يتآمر العدو لمحوكم،  ويعلن بوضوح عن خطط للقضاء على شعبكم ودولتكم من خلال وسائل مدمرة، فإن لديكم الحق، ليس في الدفاع عن النفس فقط، بل شن حرب وقائية".

ويؤكد الكاتب أن القمـر الاصطناعي الإسرائيلي المتطور عاموس 4 كان  يمد المخابرات الأمريكية بالمعلومات بشكل روتيني، وكان عملاء المخابرات الإسرائيلية في بغداد يجمعون معلومات في غاية الحساسية. كما قامت قوة الكوماندو الإسرائيليـة "ساييريت ماتكال" "بالاشتراك مع قوات أمريكيـة وأسترالية خاصة، بعمليات سرية في الصحراء الغربية للعراق بحثا عن منصـات إطلاق صواريخ سكود. كما أن مسؤول مخابرات عربي، مطلع على تفاصيل هذه المهمة، أبلغ الدايلي نيوز أن الإسرائيليين دخلوا العراق، بعد أن فشلت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية".

وقد تأكد استخدام الأسلحة الإسرائيلية في الحرب ضد العراق، عندما بث التلفزيون العراقي، في الأسبوع الثالث من مارس 2003، مشاهد لصواريخ إسرائيلية أطلقت من طائرات أمريكية تحمل الأحرف آي إم آي، أي أنها نتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

لم تقتصر استفادة القوات الأمريكية من الخبرة الإسرائيلية على التدابير العسكرية فحسب، يقول المؤلف، بل ذهبت لحد الاستفادة من ممارسات تخصصت بها إسرائيل في التعامل مع المدنيين الفلسطينيين منذ احتلال فلسطين عام 1948، سيما تسييج القرى بالأسلاك الشائكة، وهدم البيوت التي يعتقد أن المهاجمين قد استخدموها واعتقال أقارب مقاومين مشتبه بهم.

وقد استفاد الجيش الأمريكي أيضا، فيما بعد، من تجربة إسرائيل فيما يتعلق بطريقة إنشاء وتشغيل القوى الخاصة لمجابهة المقاومة العراقية المتصاعدة بأساليب جديدة سيما في الجانب المتعلق ب "القيام بالقتل المستهدف". والنموذج هنا هو فرق المستعربين (شبكة عملاء إسرائيل من العرب) الذين تستخدمهم إسرائيل للقيام بعمليات اغتيال في الأراضي الفلسطينية المحتلة واختراق مجموعات المقاومة الفلسطينية.

+ بالفصل الثالث ("إسرائيليون في العراق وعراقيون في إسرائيل")، يستهل المؤلف كلامه بشهادة للدكتورة سعاد بهاء الدين الموصلي من جامعة الرافدين تقول فيها: "العراقيون لم يلفظوا من قبل كلمة إسرائيل على الإطلاق، وأشاروا إليها دائما بالعدو الصهيوني. من كان يتصور أن بغداد ستحوي في يوم من الأيام، مركزا يخدم المخططات والمؤامرات الإسرائيلية؟" (قبل الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين كان العراق هو البلد الوحيد في العالم العربي، وربما في العالم أجمع، الذي يطبق العقوبة القصوى بحق من يقوم باستيراد منتجات إسرائيلية).

ومعنى هذا أن العراق أصبح، بعد سقوط بغداد، مفتوحاً بشكل كامل أمام أي اختراق إسرائيلي أو يهودي، حيث عمدت الوكالة اليهودية إلى نقل يهود عراقيين إلى إسرائيل، وتم تسجيل عدد من النشاطات التي يقوم بها الموساد، خصوصا بشمال العراق. كما بدأ الحديث مباشرة بعد احتلال العراق، عن إقامة علاقات مع إسرائيل، وبالأخص من قبل أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي (في بداية مارس 2003 أعلن انتفاض قنبر، ممثل المؤتمر الوطني العراقي في واشنطن، دعمه لأن تقوم الحكومة العراقية المقبلة بالتوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، "وسنحل جميع النزاعات الإقليمية سلميا". وأضاف: "لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ولكننا نريد للفلسطينيين أن يقيموا دولة ديموقراطية في المستقبل القريب")...ناهيك عن الأطراف الكردية التي لها علاقات سابقة مع إسرائيل.

   كما دخل العراق "العديد من الصحافيين الإسرائيليين، أو اليهود الأمريكيين، ورجال أعمال يهود من أصل عراقي، مرتبطين بمنظمات يهودية عالمية ولهم نشاط سياسي. وأخيرا قامت سلطة الائتلاف المؤقتة بتعيين يهودي أمريكي، ذي تدريب ديني منذ الصغر، ليشرف على صياغة دستور عراقي جديد"...وهو نوح فيلدمان البالغ من العمر 32 عاما، والذي ترعرع في بوسطن كـ "يهودي أرثوذكسي"، ودرس في "مايمونيدس"، وهي مدرسة دينية يهودية في بروكلين، ماساتشوسيتس. وتابع دراسته العليا في البداية في جامعة هارفارد، ثم في جامعة أوكسفورد وحصل على شهادة الدكتوراه في الفكر السياسي الإسلامي، وهو يتكلم العربية ويقرؤها بطلاقة. ‏  

كما بعثت الوكالة اليهودية بفريق موسع لتقصي وضع الجماعة اليهودية (المادي والمعنوي) ببغداد، والتحقق من عدد اليهود العراقيين، وفيما إذا كان بينهم يهود زائفون، ثم "معالجة موضوع محفوظات الجماعة اليهودية التي عثر عليها في مكاتب المخابرات العراقية، بغرض جلبها إلى إسرائيل".‏  

ولم يتم العثور إلا على 34 يهوديا عراقيا، معظمهم مسنون يقيمون في بغداد والبصرة. ستة منهم فقط أبدوا استعدادهم للهجرة إلى إسرائيل، أما البقية فكانوا "مترددين في ترك الوطن الوحيد الذي عرفوه".

وقد اعترف أعضاء من الفريق بأن الجماعة اليهودية حافظت على وجودها أثناء فترة النظام السابق بسبب حماية الحكومة لها، في حين قال بعضهم إن اليهود العراقيين "اضطهدوا في نظام صدام حسين وصودرت أملاكهم، ولكنهم بشكل عام تمتعوا بالحماية"، بل إن من هؤلاء ال 34 (وهو توفيق سفر)، من أفاد بأن "صدام كان جيداً معهم". وقالت نضال صالحي، وهي في أواخر الأربعينات من عمرها، والأصغر سناً بين اليهود الذين بقوا في العراق، في تحقيق أجرته قناة الجزيرة في نونبر2003 : "أتمنى لو يعود صدام".

 وتقول صبحية، المسيحية التي شاركت في التحقيق: "في زمن صدام حكم القانون، كان هناك أمن. اليوم لا أجرؤ على إخراج ابنتي إلى الشارع. لن يكون بوسعها إكمال دراستها. هذا ما جلبه الأمريكيون...أنظر إلى بيوتنا، أنظر كيف نعيش ... هل جلبت الديموقراطية الطعام إلى موائدنا، الأمن إلى الشوارع، الكهرباء إلى البيوت؟ كل هذه الأشياء جلبها لنا صدام"...

من جهة أخرى، يذكر الكاتب أن عملاء من الموساد تفاوضوا مع مسؤولين أكراد حول عودة يهود عراقيين من الشمال إلى العراق. "وقدر المسؤولون الأكراد عدد اليهود الأكراد الذين طردوا من العراق، بمائة وخمسين ألف، في حين أوضحت الصحيفة التي أوردت الخبر أن العدد لا يتجاوز الخمسين ألف يهودي". وتضيف الصحيفة أن "الحملة الشرسة لإعادة توطين اليهود في العراق تثير حفيظة العراقيين، وبشكل خاص رجال الدين".

في نونبر من العام 2003 صرح مسؤول من مجلس الحكم الانتقالي لصحيفة الجيروسالم بوست أن المجلس "طمأن ممثلي اليهود العراقييـن الذين يرغبون بزيارة العراق أنه سيرحب بهم، وأنه سيضمن أمنهم في العراق". وأوضح المسؤول أن المجلس "لا توجد عنده مشكلة بالتعامل مع رجال الأعمال اليهود أو الإسرائيليين كأفراد. ولكن لا نشعر أننا ندين بأي شيء لدولة إسرائيل".

ويعكس هذا التصريح، الذي لا ينفي إمكانية التعامل مع إسرائيل، الحضور الفعلي لإسرائيليين أو يهود في العراق بعد الاحتلال، كصحفيين ورجال أعمال وغيرهم.

يقول شوكر (وهو رجل أعمال بريطاني وعضو بالمؤتمر الوطني العراقي) إنه لم يستطع أن يضبط دموعه عندما كانت طائرته تحط في مطار بغداد، وكذلك عندما رأى المدينة: "بكيت من أجل جماعتنا القديمة والنبيلة، الذين أصبحوا مشتتين في أصقاع العالم ومبتورين عن جذورهم ومهددين بالاندثار بعد جيل أو جيلين. وبكيت من أجل أبي الذي توفي قبل أقل من شهر دون أن يتمكن من زيارة مكان ولادته وموطن أجداده منذ 2500 سنة... بكيت من أجل كل أولئك الذين قام صدام حسين بتعذيبهم وقتلهم ولم يروا أبدا نهايته. وبكيت فرحا وامتنانا للرب العظيم، الذي حقق أمنيتي بإعادة الاتصال مع جذورنا وتاريخنا".

+ في الفصل الرابع ("اليهودية العالمية") يبدأ المؤلف بشهادة للحاخام الأمريكي مايكل ليرنر يقول فيها: "دولة إسرائيل تدعم هذه الحرب بوضوح، مؤيدو الحرب في الإدارة الأمريكية هم من اليهود، معظم الأصوات من الكنس الأرثوذكسية تدعم الحرب".

 ويؤكد الكاتب أن الليبراليين، "الذين عادة ما يفترض بهم إثارة الأسئلة، يصمتون. أليس في هذا كله ما يكفي ليجعل الكثيرين يعتقدون أن هذه الحرب مدعومة من قبل الجماعة اليهودية، بالرغم من أن هذا الدعم يمثله، في الحقيقة، منظمو الجماعة وليس معظم اليهود".‏

لكن هذه المنظمات أو الجماعات اليهودية الأمريكية لم تستطع أن تتبنى بوضوح موقفا داعما للعدوان على العراق، خاصة في ظل التحرك الشعبي المناهض للحرب. وعلى المستوى الإعلامي، " كان الدعم قبل العدوان هادئا نسبيا، في حين كانت بعض المنظمات اليهودية، ودون أي ضجة إعلامية، تجري اتصالات مع ما يسمى بالمعارضة العراقية. ومع اقتراب موعد العدوان أصبح موقف المنظمات اليهودية أكثر وضوحا".

 ومع الاحتلال، يقول المؤلف، بدأ رجال أعمال يهود، أمريكيين وبريطانيين من أصل عراقي، يطالبون بالحصول على تعويضات عن ممتلكاتهم في العراق، وكان هذا التوجه مدخلا يساعد هؤلاء وغيرهم في الحصول على استثمارات في السوق العراقي الجديد. وتتمثل خلفيـة هذه المطالبات بحملة كانت المنظمات والجماعات اليهودية تشنها بشكل مكثف على المستوى العالمي "لإقرار حقوق" اليهود من البلدان العربية، بشكل مماثل لإقرار حقوق اللاجئين الفلسطينيين بجهة التمهيد لتصفيتها (أي تصفية هذه الحقوق).

  ويستشهد الكاتب بموقف أحد اليهود حينما يقول: "في الحقيقة، هناك لاجئون سابقون يهود شردوا من البلدان العربية في الشرق الأوسط نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي عام 1948 ويقدرون بحوالي 850 ألفا، وهم أكثر من اللاجئين العرب الذين يقدر عددهم بـ 750 ألف لاجئ. وفي ضوء انشغال العالم بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، فإننا نريد أن نجلب الانتباه إلى معاناة اللاجئين اليهود".

ويوضح أن "هناك يهودا مميزين منخرطين في العملية السياسية، داخل الإدارة الأمريكية ومن خارجها، قيل إنهم يدعمون الحرب، ومن هؤلاء بول فولفوفيتس، نائب وزير الدفاع، ودوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع للسياسة، وريتشارد بيرل، مستشار وزارة الدفاع آنذاك" وغيرهم.

وقد توثقت العلاقات بين هؤلاء وممثلي المؤتمر الوطني العراقي والمنظمات اليهودية الأمريكية مع اقتراب العدوان على العراق في نهاية عام 2002. " ففي التاسع من نونبر 2002 دعي أحمد الجلبي إلى حفل عشاء نظم لـه في لونغ أيلاند في نيويورك، ودعي انتفاض قنبر، مدير مكتب المؤتمر في واشنطن في السابع من الشهر نفسه ليلقي كلمة أمام أيباك في اجتماع المنظمة في أتلانتا". 

 وحسب أعضاء من مجلس الحكم الانتقالي، فإن الكثيرين من أعضاء المجلس ميالون شخصيا بشدة لإسرائيل، ويصرون على "أن العراق الجديد لن يكون معاديا لإسرائيل".

وصلت الاتصالات بين "المعارضة العراقية" والمنظمات اليهودية الأمريكية ذروتها في بداية أبريل عام 2003، "عندما دعت أيباك انتفاض قنبر إلى مؤتمرها السنوي في العاصمة الأمريكية. ولم يتمكن قنبر من حضور المؤتمر، إذ كلفته الإدارة الأمريكية بمهمة في شمال العراق، وحضر عوضا عنه كنعان مكية" (الذي يحب مقارنة عراق "ما قبل التحرير" بالنازية الألمانية).

 وبعد سقوط بغداد، وضعت خطـة لإرسال وفد من "المعارضة العراقية" لزيارة إسرائيل لمدة خمسة أيام لمقابلة القادة والعسكريين الإسرائيليين، وكان يفترض أن يضم الوفد أحمد الجلبي ووفيق السامرائي وثلاثة من قادة الشيعة، وآخرين من منظمات "معارضة". ولم يتضح ما إذا كانت هذه الخطة نفذت أم لا.

ويقرر المؤلف أنه "مع الغزو، بدأت تصل إلى أعضاء مميزين من الجماعات اليهودية الأمريكية في نيويورك طلبات من يهود عراقيي الأصل، تدعو إلى حملة منظمة للمطالبة بالتعويضات عن الممتلكات اليهودية العراقية. ومع نهاية العام ازداد حجم هذه الطلبات، التي أخذت تصل بشكل خاص إلى مكاتب المؤتمر اليهودي العالمي".

هذا الموضوع، بالنسبة لليهود، "في غاية الأهمية على المستوى القانوني والأخلاقي والنفسي ليبدأ العالم بالإدراك بأن لاجئي الشرق الأوسط لا يقصد بهم العرب فقط"، لدرجة يقول بعضهم إنه "لن يكون هناك سلام ومصالحة حقيقية في الشرق الأوسط، وبين إسرائيل والفلسطينيين، بدون الاعتبار الكامل لقضية اللاجئين اليهود وكونها جزءا من معادلة التسوية".

 ويرى المؤلف "أن الهدف هو ترسيخ الخطأ الأصلي، أي إبقاء اليهود العرب في وطنهم الجديد الزائف وتوطين الفلسطينيين مكان اليهود في البلدان العربية أو أماكن أخرى. كل هذا كان مخططا لـه أن يحصل، مع توقع القضاء على العراق كعنصر قومي عربي فاعل في الحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

+ في الفصل الخامس ("اختراق السوق العراقي") يبدأ المؤلف بشهادة للروائي الإسرائيلي سامي ميخائيل يقول فيها إن: "الأشخاص الذين نحن على اتصال معهم يتحركون من وإلى العراق بحرية. لهم أقارب في العراق، ولديهم صحافيون يعملون هناك. ومن خلالهم لدينا اتصالات بشكل غير مباشر مع مثقفين وصحافيين ورجال أعمال. وعمليا، نحن نقوم الآن ببناء الأسس لعلاقات ثقافية، وغيرها، بين إسرائيل والعراق".

والحقيقة أن الإشارات إلى دور إسرائيلي في اختراق العراق، المسلوب الإرادة تحت الاحتلال يقول الكاتب، بدأت تظهرها مصادر إسرائيلية وأمريكية مباشرة بعد الاحتلال، كاستغلال خط الأنابيب، الذي يربط كركوك بميناء حيفا. و" في شهر حزيران ترددت أنباء عن زيارة رجال أعمال إسرائيليين لبغداد، وفي الوقت نفسه تأسست شركة قانونية في بغداد لتسهيل الاستثمارات الأجنبية في العراق أظهرت التحقيقات أن لها علاقة بمارك زيل، أحد غلاة المستوطنين في فلسطين وشريكه دوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع الأمريكي للسياسة، وهو أحد الذين ساهموا عام 1996 في صياغة خطة لتغيير النظام في العراق قدمت لبينيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك".

 وقد تمثل التحرك الإسرائيلي للتوغل في السوق العراقي بالإعلان رسميا في يوليوز، بأنه يسمح للشركات الإسرائيلية بتصدير بضائعها إلى العراق. وقد أوكلت مهمة تطوير نظام يمكن الشركات الإسرائيلية من تسويق منتجاتها إلى رجال أعمال وسياسيين سابقين. وشكلت جمعية بعض أعضائها من رجال الأعمال الإسرائيليين من أصل عراقي، تهدف عمليا إلى اختراق العراق اقتصاديا.

 وتنوعت الصادرات الإسرائيلية إلى العراق المحتل " لتشمل الأطعمة السريعة والمنتجات الزراعية والتجهيزات الأمنية وأجهزة الاتصالات والكثير غيرها. وكذلك كانت هناك مؤشرات على توغل إسرائيليين أو يهود في سوق العقارات في العراق".‏

وبعد سقوط بغداد مباشرة، ذكرت وزارة البنى التحتية الإسرائيلية إمكانية إعادة فتح خط أنابيب البترول الذي كان يربط حقول النفط في كركوك بميناء حيفا، وأخبر بينيامين نتنياهو، وزير المالية الإسرائيلي، مجموعة من الصحافيين البريطانيين أن "البترول العراقي من الآبار الشمالية سيصب، عبر الأردن، في ميناء حيفا. وجرت الإشارة أيضا إلى مشروع خط حديدي يربط بغداد بحيفا ويمر عبر أربد، شمال الأردن".

وبعد إعلان بوش عن انتهاء العمليات العسكرية بدأ جون تايلور، نائب وزير المالية الأمريكية، "يحث من القاهرة الشركات الإسرائيلية على القيام بالعمل والاستثمار والمساهمة في مجالات مختلفة في العراق، وصرح في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أن السوق العراقي سيكون دائما مفتوحا للمنتجات الإسرائيلية".

وقد افتتحت في حي الحارثية في بغداد في يونيو 2003، مؤسسة "قانونية" تطلق على نفسها اسم "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية"، وتعلن عن نفسها بأنها "المدخل المهني إلى العراق الجديد". وتضم المؤسسة خبراء أمريكيين ذوي مستوى عال، وخبراء أجانب بتدريب بريطاني في مجال الأعمال، بالإضافة إلى فريق من محامين ومهنيين عراقيين. وتهدف المؤسسة إلى "تقديم المعلومات والوسائل، التي تتطلبها الاستثمارات الأجنبية، لدخول العراق الجديد بنجاح".

  ولكن للمؤسسة نشاط أيضا في عدد من "المشاريع السياسية والمدنية"، من قبيل "إصلاح القانون التجاري، الإجراءات الدستورية، تعويض الضحايا وإزالة حزب البعث".

المسؤول عن هذا "الإنجاز الكبير" هو سالم الجلبي، الذي يشار إليه باقتضاب على أنه "عضو في نقابة المحامين لولاية نيويورك". ولكن سالم هذا ليس سوى ابن شقيق أحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، وعضو مجلس الحكم الانتقالي ذي العلاقات المعروفة مع إسرائيل.

هذه المؤسسة تمثل اليوم "أول مشروع إسرائيلي عراقي على المستوى العلني منذ سقوط صدام حسين"

وقد ترددت في العاصمة العراقية، مباشرة بعد سقوط بغداد، شائعات عن يهود يقومون بشراء عقارات و مصانع مهجورة بأسعار خيالية في بغداد، لدرجة دفعت مجمع العلماء المسلمين بالموصل إلى إصدار فتوى تحرم بيع العقارات لغير العراقيين. كما أصدر آية الله كاظم الحسيني الحائري فتوى مـــن إيران جاء فيها: "أي يهودي يحاول أن يشتري قطعـة أرض أو بيت في العراق، سيقتل. ويحرم أي بيع لأراض أو بيوت لليهود".

+ بالفصل السادس ("العدوان ويهود العراق")، يبدأ المؤلف بشهادة لنعيم غيلادي، ترك إسرائيل بعد اجتياح لبنان عام 1982(وأسقط عن نفسه الجنسية الإسرائيلية): "أنا عراقي، ولدت في العراق، ثقافتي ما زالت عربية، ديانتي يهودية، مواطنتي أمريكية".

ويقرر الكاتب أن موضوع "يهود العراق" أثير قبل الغزو بشهور ضمن الحملة الواسعة لتبرير العدوان على العراق، "رغم عددهم الضئيل وعدم تعرضهم لأي اضطهاد في ظل النظام الذي أطاحت به الولايات المتحدة". وأثناء الحرب أثير موضوع اليهود، ليس في العراق فحسب، بل في البلدان العربية ككل.

ويقول اليهودي العراقي سمير نقاش: "كان العراق مسرحاً لحضارة يهودية مزدهرة، فقط بعد الحرب العالميـة الأولى أضطهد السكان اليهود، بعد أن اشتد الصراع بين الأيديولوجية الصهيونية والقومية العربية في الشرق الأوسط".

ويعبر هذا الكلام بوضوح عن الهدف الرئيسي من العدوان على العراق، وهو حماية الكيان الإسرائيلي. فبعد إسقاط "الدكتاتورية العراقية"، تصور الكثيرون من أنصار الحرب أن ما حصل "سيخلق شرق أوسط جديد تستطيع إسرائيل أن تعيش فيه بأمان، وتفتح الحدود، وتزدهر التجارة. وكما قال البعض، فإن الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيمر عبر بغداد، التي ستصبح نموذجا للرخاء والقبول بالآخر والتعايش".

+ بالفصل السابع ("التراث اليهودي العراقي") يقول الكاتب: " كان نهب التراث الحضاري العراقي أحد نتائج العدوان الأمريكي على العراق، ولم ينج التراث اليهودي العراقي، الذي كان محط اهتمام أطراف يهودية وإسرائيلية". وقد ساهم المؤتمر الوطني العراقي، الذي أقام علاقات واسعة مع المنظمات اليهودية الأمريكية، في عملية العثور على محفوظات يهودية عراقية كانت موجودة في مقر المخابرات العراقية.

 فقد أرسل خبراء ترميم إلى بغداد لحفظ المواد اليهودية والتحضير لعملية نقلها إلى إسرائيل عبر أمريكا، فأخرجت المحفوظات من العراق بناء على "رخصة استيراد" أمريكية، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية الخاصة بالممتلكات الثقافية، ويشكل تجاوزا واضحا للقوانين العراقية.

 إن المواد التراثية اليهودية تخرج اليوم من العراق بشكل رسمي يقول المؤلف، "بعد أن كان يتم تهريبها في الماضي بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، أخرجت من مرقد ذي الكفل ألواح حجرية عليها نقش عبري، يفترض أنها كانت قائمة حول الضريح، ولا يحدد تاريخ هذه الألواح ولا كيف دخلت المرقد أصلا".

ومن المؤكد أيضا أن السلطات الإسرائيلية علمت بوجود "محفوظات الجماعة اليهودية" وكانت وراء "البحث عن أقدم تلمود في العالم" ... في مقر المخابرات العراقية، حيث تم العثور (بمؤازرة أعضاء من المؤتمر الوطني العراقي) على "لفافات توراة، على التشريع اليهودي وعلى كتب للأطفال، كلها مطبوعة بالعبرية"، وتم العثور على قطع نادرة كمجلد من "الكتاب المقدس الرابيني الثالث" نشر في البندقية عام 1568 ونسخة من "بركة إبراهيم"، وهو تعليق على التوراة، يحمل تاريخ 1696 وطبع أيضاً في البندقية. وهناك أيضاً وثائق بالعربية تتعلق باليهود العراقيين، وتقارير حول الجماعة اليهودية في العراق.

وعلى الرغم من توقيع الولايات المتحدة على ميثاق اليونيسكو الخاص بـ "وسائل تحريم ومنع أعمال الاستيراد والتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية" لعام 1970، فإنه لا يعرف ما إذا كانت "رخصة الاستيراد" تتضمـن أي إشارة إلى "إعادة تصدير" هذه الممتلكات الثقافية إلى العراق، علما بأن خطة وضعت لعرض هذه الممتلكات في الولايات المتحدة بعد ترميمها.

ومحاولات إخراج التراث اليهودي من العراق ونقله إلى إسرائيل ليست جديدة. ففي عام 2001 ترددت أنباء عن قيام الموساد بتهريب حوالي ثلاثين لفافة توراة من العراق. وقد أعلن عن وجود هذه اللفافات في إسرائيل يسرائيل ماير لاو، الحاخام الأعظم في إسرائيل، الذي كان يستخدم أحدها في قداس أقيم في مدينة العفولة.

 وقد صرح لاو لوسائل الإعلام، أن أحد أجهزة المخابرات كان مسؤولا عن عملية التهريب. وقد جلب اليهود العراقيون حوالي 390 إلى 405 لفافة توراة معهم عندما حضروا إلى إسرائيل في بداية الخمسينات، في حين أبقوا حوالي 40 إلى 50 لفافة في مكان سري في بغداد.

إن الذي يجري من مدة، يقول المؤلف، إنما وجود شخصيات يهودية، تقف وراءها مصالح استعمارية، تعمل على إبراز التراث اليهودي العراقي  مع العمل على تغيير المشهد الحضاري لهذا البلد العربي.

 وبصرف النظر عن خطط صهيونية ربما كانت مطروحة لاستعمار العراق إلى جانب فلسطين، فإن ما يحصل اليوم، يقول الكاتب، "لا يختلف من حيث المبدأ عما كان يخطط لـه منذ قرن ونصف من الزمان، من سياسات خارجية تتحكم بمقادير المنطقة وترسم حدودها ومستقبلها".

 الفرق أنه لم تعد هناك حاجة اليوم إلى قناصل ووسطاء يهود يحضرون من أقاصي العالم، "فهناك رؤساء حكومات ووزراء وجنرالات وحكام مدنيون يعملون في المنطقة بشكل مباشر ويستكملون محاولات قديمة يزخر بها تاريخ المنطقة".

 لقد قالت كوندوليسا رايس، مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية، بعد احتلال العراق إن "العراقيين قد استردوا بلادهم"... مضيفة أن أمريكا تعمل على تزويدهم بـ "أمن أكثر وفرص أكبر". لكن الصحفية  ليندا هيرد اقترحت، في معرض تعليقها على ما كتبته رايس، استبدال كلمة العراقيين بالإسرائيليين وكلمة بلادهم بالعراق، أي أن "الإسرائيليين استردوا العراق"... وهكذا تصبح عبارة رايس حقيقية وفي محلها تماما.

نافذة "قرأت لكم"، 12 أكتوبر 2006

Vous pouvez partager ce contenu